ذكر معالي الأستاذ جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن المنتدى الحكومي لمكافحة الاتجار بالأشخاص في الشرق الأوسط قد شهد إشادة إقليمية ودولية في جهود دول مجلس التعاون، وقد ساهم منذ انطلاقته في بلورة رؤية خليجية متقاربة إزاء مكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص، والقائمة على الخصوصية الاقتصادية والجغرافية لدول المجلس، وعلى التحديات التي تواجهها دولنا جميعاً في ظل تطور أدوات هذه الجريمة، وأساليبها المستحدثة، لاسيما المرتبطة باستخدام التقنية الحديثة وشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
جاء ذلك خلال كلمة معاليه في افتتاح أعمال الدورة السادسة للمنتدى الحكومي لمكافحة الاتجار بالأشخاص في الشرق الأوسط، اليوم الخميس الموافق 24 أبريل 2025م، في دولة الكويت، بحضور معالي المستشار ناصر يوسف السميط، وزير العدل في دولة الكويت، وعدد من أصحاب المعالي والسعادة وممثلين رفيعي المستوى من الدول الأعضاء في المنتدى، وبمشاركة كل من الأمانة العامة لمجلس التعاون، وجامعة الدول العربية، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ووزارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي مستهل كلمته أعرب معالي الأمين العام عن بالغ امتنانه إلى دولة الكويت على استضافة أعمال الدورة السادسة للمنتدى الحكومي لمكافحة الاتجار بالأشخاص في الشرق الأوسط، مؤكداً أن هذه الاستضافة تعكس حرص واهتمام دولة الكويت على دعم قضايا حقوق الإنسان المتعددة، رافعاً معاليه أسمى آيات التقدير والامتنان إلى مقام حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت -حفظه الله ورعاه-، لما يوليه سموه من اهتمام بالغ ومتابعة عن كثب لهذه القضايا الإنسانية.
واستعرض معاليه خلال الكلمة أبرز الجهود الجماعية والإنجازات التي حققتها دول مجلس التعاون في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص، ومنها اعتماد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته السابعة والعشرين عام 2006م وثيقة أبو ظبي للنظام (القانون) الموحد لمكافحة الاتجار بالأشخاص لدول مجلس التعاون، والذي يهدف إلى منع وإنهاء إساءة استغلال البشر في أي شكل من أشكال الاستغلال، واعتماد المجلس الأعلى في دورته الخامسة والثلاثين عام 2014، إعلان حقوق الإنسان لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي أكد في المادة (3) على أن "يحظر الاسترقاق والاستعباد والسخرة والاتجار بالبشر بكافة صوره وأشكاله وبخاصة ما يقع منها على النساء والأطفال"، وصادقت جميع دول المجلس على بروتوكول باليرمو لمكافحة الاتجار بالبشر، والذي يُعَد إطاراً قانونياً وتشريعياً دولياً راسخاً ورئيسياً لمكافحة الاتجار بالبشر، كما أصدرت قوانين وطنية خاصة تجرّم هذه الجريمة وتضع آليات واضحة لحماية الضحايا وملاحقة الجناة، بالإضافة إلى تأسيس آليات وطنية متخصصة شملت إنشاء لجان وهيئات وطنية، وتوفير مراكز إيواء، وخطوط ساخنة، وأنظمة إحالة وطنية للتعامل مع الضحايا المحتملين، وتدريب الكوادر الأمنية والقضائية، وتبني إصلاحات تنظيمية في سوق العمل من خلال تطوير التشريعات المنظمة للعمالة الوافدة، بما في ذلك تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وتعزيز أنظمة حماية الأجور وتوثيق العقود، في مسعى جاد للحد من مظاهر الاستغلال في بيئة العمل، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي مع منظمات مثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، والمنظمة الدولية للهجرة (IOM)، ومنظمة العمل الدولية (ILO)، لتنفيذ برامج وقائية وتوعوية مشتركة.
وأشار معاليه خلال كلمته إلى القرار رقم (ثامناً–1) الصادر عن الاجتماع العاشر للجنة وزراء العمل بدول مجلس التعاون، الذي نصّ على تكليف المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل ومجلس وزراء الشؤون الاجتماعية بدول المجلس بتحديث الرؤية الخليجية المشتركة لمكافحة العمل الجبري والاتجار بالبشر، وذلك بالتنسيق مع فريق الخبراء في مجال العمل والعلاقات الدولية، وبالاسترشاد بالمبادرات الرائدة والممارسات الدولية والإقليمية الناجحة، وتأكيدًا لهذا التوجه، ذكر معاليه أن المكتب التنفيذي سينظم حلقة حوارية على هامش أعمال هذا المنتدى، بهدف البدء في المرحلة الأولى من مسار تحديث هذه الرؤية، والتي من المؤمل لها أن تشكّل إطارًا إستراتيجيًا خليجيًا متكاملاً يستجيب لتحديات الواقع، ويواكب التحولات في سوق العمل والتقنيات ذات الصلة، ويعزز الحماية والوقاية من هذه الجريمة بكافة صورها.
كما ذكر معالي الأمين العام بأن ما تحقق في دولنا هو محل فخر واعتزاز، إلا أن حجم التحديات، وتطور أنماط الجريمة، يتطلب منا مضاعفة الجهود وتعميق التنسيق، واستدامة العمل الجماعي بين دولنا، خاصة فيما يتعلق بالجرائم العابرة للحدود، أو التي تستغل الفئات الهشة كالنساء والأطفال والمهاجرين، ويظل مجلس التعاون ملتزماً، بكل عزم، بدعم كافة الجهود الوطنية والإقليمية والدولية الرامية إلى القضاء على هذه الجريمة البشعة، تحقيقًا لرؤيةٍ عادلة تحفظ كرامة الإنسان وتصون حريته.
واختتم معالي الأمين العام بالتأكيد على التزام دول مجلس التعاون الثابت والمستمر بمكافحة الاتجار بالأشخاص بكل صورة وأشكاله، وتطوير الأطر التشريعية والتنظيمية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، بما يضمن حماية الضحايا، وملاحقة الجناة، وترسيخ قيم العدالة وحقوق الانسان في مجتمعاتنا، لا سيما وأننا في دول المجلس نؤمن إيمانا تاما بأن التعاون وتبادل الخبرات هو السبيل الأكثر للتصدي لهذه الجريمة العابرة للحدود، فلنعمل معاً لمستقبل خالٍ من الاستغلال والاتجار بالبشر.


