أكد معالي الأستاذ جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن ما تحقق خلال الفترة القليلة الماضية من إنجازات بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى هي بداية واعدة لمسار إستراتيجي طويل الأمد، يقوم على المصالح المتبادلة والرؤى المشتركة للجانبين، ووفق التوجيهات السامية لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس -حفظهم الله ورعاهم-.
جاء ذلك خلال الاجتماع الوزاري الثالث للحوار الإستراتيجي بين دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى، اليوم الأربعاء الموافق 16 أبريل 2025م، بمدينة الكويت، برئاسة معالي السيد عبدالله علي اليحيا، وزير خارجية دولة الكويت -رئيس الدورة الحالية- للمجلس الوزاري، ومعالي السيد بختيار سعيدوف، وزير خارجية جمهورية أوزبكستان، وبحضور أصحاب السمو والمعالي والسعادة وزراء خارجية دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى.
وفي بداية كلمته رفع معاليه أسمى آيات الشكر وعظيم الامتنان لمقام حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت -حفظه الله ورعاه-، على جهوده المباركة ومساندته الدائمة لمساعي تعزيز التكامل والتعاون وشراكات مجلس التعاون مع الدول والمجموعات، مؤكداً بأن هذا الاجتماع يأتي استكمالًا للجهود المبذولة لتعزيز الشراكة بين الجانبين، حيث شهدت العلاقات خلال الأعوام الماضية تطورًا ملحوظًا في مختلف المجالات، فمنذ انعقاد القمة الأولى بين قادة دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى -حفظهم الله ورعاهم-، في يوليو 2023م، في مدينة جدة، شهدنا تحركات ملموسة تعكس جدية الجانبين لترجمة مخرجات القمة إلى خطوات عملية، وفقاً لخطة العمل المشترك للفترة 2023-2027، والتي تشمل مجالات حيوية مثل الحوار السياسي والأمني، والاقتصاد والتجارة والاستثمار، والتعليم، والصحة، والثقافة والإعلام، والشباب والرياضة، وقد تبلور تنفيذ هذه الخطة من خلال الاجتماعات واللقاءات التنسيقية التي عززت التعاون بين الجانبين وأسهمت في تحديد الأولويات المشتركة.
ورحب معاليه بالاتفاق الثلاثي بين جمهورية طاجيكستان وجمهورية قيرغيزستان وجمهورية أوزبكستان، بشأن تحديد نقطة اتصال الحدود الدولية الثلاثية، والتوقيع على إعلان "خُجند" حول الصداقة الأبدية بين الدول الثلاث، كما رحّب بتوصل جمهورية أذربيجان وجمهورية أرمينيا إلى اتفاق للسلام، مجدداً معاليه الدعم الكامل لجميع الجهود الرامية إلى تسوية النزاعات بالوسائل السلمية، وتعزيز منصات الحوار البنّاء، إيماناً من مجلس التعاون بأن الأمن والاستقرار والتعاون الإقليمي يمثل ركائز أساسية لعالم أكثر سلاماً ورخاءً واستدامة.
كما ذكر معالي الأمين العام أنه لا يمكننا إغفال ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية من انتهاكات جسيمة تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وفي هذا الصدد يجدد مجلس التعاون موقفه الرافض لمحاولات تهويد مساحات شاسعة من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشريف، وطرد سكانها الفلسطينيين، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وهي ممارسات تتعارض كليًا مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن، والرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية لعام 2004، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. ومن هذا المنطلق، يدعو مجلس التعاون المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، وممارسة ضغط حقيقي على سلطات الاحتلال للتراجع عن هذه السياسات الاستيطانية، مشيراً معاليه إلى الموقف الداعم والثابت لمجلس التعاون لكافة الجهود الإقليمية والدولية الساعية إلى تحقيق حلٍ عادلٍ وشاملٍ للقضية الفلسطينية، وعلى رأسها المبادرة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية، من خلال "التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين"، الذي تم الإعلان عنها في نيويورك بتاريخ 26 سبتمبر 2024، بالشراكة مع مملكة النرويج والاتحاد الأوروبي، والذي يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، داعياً معاليه كافة الدول التي تؤمن بالسلام العادل إلى الانضمام لهذا التحالف، والاعتراف بدولة فلسطين، دعمًا لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، ومساهمةً في تحقيق سلام شامل ومستدام في منطقة الشرق الأوسط.
كما تطرق معاليه خلال كلمته إلى أن التعاون والشراكة بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى يتم عبر الدفع بآليات فعالة تضمن تحقيق مصالحنا المشتركة، من خلال القمم المشتركة والاجتماعات الوزارية، واجتماعات كبار المسؤولين، وخطة العمل المشترك للفترة 2023-2027، ومذكرات التفاهم التي تم التوقيع عليها بين الأمانة العامة لمجلس التعاون ودول آسيا الوسطى لتعزيز المشاورات السياسية والاقتصادية، وتطوير أفق التعاون المستدام.
كما أشار معالي الأمين العام إلى أن التحديات التي تواجه عالمنا اليوم تستوجب منا تعزيز الحوار والتنسيق، لضمان الأمن والاستقرار، وتعزيز التنمية المستدامة، ومن هذا المنطلق، فإننا ندعو إلى توحيد جهودنا المشتركة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي يمر بها العالم اليوم، في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة، التي تستوجب منا تعزيز عملنا المشترك لتحقيق الأمن الغذائي، والتصدي لتغير المناخ، والاستفادة من الفرص الواعدة.
واستعرض معاليه بعض الإحصائيات الاقتصادية، حيث ذكر أن حجم التبادل التجاري السلعي بين دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى بلغ نحو 10 مليارات دولار امريكي، بالإضافة إلى تدفقات الاستثمار والتي نتطلع إلى الارتقاء بها إلى مستويات أعلى بشكل مستدام خلال الأعوام القادمة، من خلال تنفيذ خطة العمل المشترك، وتوجيهات القيادة الحكيمة لدولنا.
كما ذكر معالي الأمين العام، وأنه بناء على مخرجات القمة الأولى بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى (يوليو 2023)، تم عقد عدد من الاجتماعات الوزارية وفرق العمل المتخصصة والعديد من الفعاليات لدول آسيا الوسطى، في عدد من المجالات الاهتمام المشترك، ومنها اجتماعات وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، حيث شارك أصحاب المعالي والسعادة وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية بدول مجلس التعاون في اجتماع تنسيقي مع نظرائهم من دول آسيا الوسطى، على هامش اجتماعات البنك الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر 2024م، وتأكيداً على عمق الاهتمام بتعزيز التعاون الاقتصادي والمالي، فمن المقرر عقد اجتماع آخر لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من الجانبين خلال الشهر القادم في أوزبكستان، كما تم في مجال التجارة والاستثمار، عقد اجتماع للمعنيين بالجانب الاقتصادي في 10 يوليو 2023م، وعقد منتدى الاستثمار الأول في 29 مايو 2024م، بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى في الرياض، بتنظيم من وزارة الاستثمار بالمملكة العربية السعودية، بهدف تعزيز الشراكات الاقتصادية واستكشاف الفرص الاستثمارية بين الجانبين، والتطلع إلى عقد منتدى الاستثمار الثاني في قيرغيزستان بتاريخ 30 يونيو 2025م، والمشاركة في جلسة عن آفاق العلاقات بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى في منتدى أستانا الدولي في كازاخستان بتاريخ 29 مايو 2025م، وفي المجال الثقافي والإعلامي تم عقد اجتماع للمعنيين بالجانب الثقافي والإعلامي في 11 يوليو 2023م، وفي المجال الصحي تم عقد الاجتماع الأول للمعنيين بالجانب الصحي في يوليو 2023م، وفي مجال الشباب والرياضة تم عقد اجتماع للمعنيين بالشباب والرياضة في 12 يوليو 2023م، أما في مجال النقل فقد تم عقد اجتماع للمعنيين بمجال الطيران المدني في 13 يناير 2025م، وعقد اجتماع مشترك بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى والهيئة الخليجية للسكك الحديدية في 10 ديسمبر 2024م، وفي المجال السياسي تم عقد اجتماع لكبار المسؤولين في وزارات الخارجية في طشقند بتاريخ 10 أبريل 2025م، حيث تم بحث أبرز القضايا الإقليمية والدولية، إلى جانب مناقشة التحضيرات للقمة الثانية المرتقب انعقادها في مدينة سمرقند الشهر القادم، كما شاركت الأمانة العامة في عدد من الفعاليات، منها مراقبة الانتخابات البرلمانية في جمهورية أوزبكستان، وحضور افتتاح مدينة أركداغ في 29 يوليو 2023م، و الندوة الدولية عن الشاعر الأوزبكي نظام الدين في طشقند، والمشاركة في الندوة التي عقدتها طاجيكستان حول إسهامات العلماء الطاجيك في الحضارة الإسلامية، بالإضافة إلى المشاركة في المهرجان الدولي الثالث عشر للموسيقى الشرقية في سمرقند. وفي سياق الجهود المعنية بالتنمية المستدامة شاركت الأمانة العامة في المؤتمر الدولي رفيع المستوى الثالث حول العقد الدولي "الماء والتنمية المستدامة 2019-2028"، المنعقد في دوشانبيه بطاجيكستان، إضافة إلى حضورها مؤتمر "آسيا الوسطى في مواجهة تحديات المناخ" الذي أقيم في سمرقند، كما شاركت الأمانة العامة في التحضيرات التي تجريها قيرغيزستان لاستضافة المنتدى الثاني للاستثمار بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى، إلى جانب المشاركة في "مؤتمر رجال الأعمال العرب وآسيا الوسطى" الذي عقد في أبوظبي، مشيراً معاليه أن هذه المشاركات تجسد حرص مجلس التعاون على بناء جسور التعاون والحوار مع دول آسيا الوسطى، بما يعكس التزامه بدوره الإقليمي والدولي الفاعل، واستعداده لمواصلة توسيع الشراكات بما يخدم المصالح المشتركة.
كما أشاد معاليه خلال كلمته بمواقف دول آسيا الوسطى تجاه القضايا في منطقة الشرق الأوسط، والتي حظت بتقدير عميق واحترام كبير من قبل مجلس التعاون، واتسمت تلك المواقف بالاتزان والدعم الصادق، مجسدةً فهماً عميقاً لأهمية التضامن في إيجاد حلول ناجعة للأزمات الإقليمية والدولية، حيث عبّرت دول آسيا الوسطى، في أكثر من مناسبة، عن دعمها للقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ودعمت قرارات الأمم المتحدة الهادفة إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل والدائم، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية.
كما أعرب معاليه في ختام كلمته عن تطلع مجلس التعاون بكل اهتمام لانعقاد القمة الثانية بين قادة دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى في الخامس من مايو 2025م، في مدينة سمرقند بجمهورية أوزبكستان، والتي تمثل محطة رئيسية في مسيرة العلاقات المتميزة بين الجانبين، وأن هذه القمة ستسهم في تحقيق المزيد من الإنجازات والتقدم في مختلف مجالات التعاون.

